مليشيات الخراب

قبل أن أبدأ حديثي عن مليشيات الخراب، لا بد أن أوضح شيئًا مهمًّا حتى لا يتصيد البعض أو يفهم أحد مقالي هذا على غير المراد منه.
فالأمر في حالة فلسطين مختلف ولا يدخل في إطار المقصود من مليشيات الخراب، لأن حركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى كالجهاد الإسلامي والقسام وغيرها يرتبط وجودها بشكل مباشر بظروف الاحتلال والاضطهاد التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لذا يُعَد الوجود المسلح لهذه الفصائل بالنسبة للكثيرين حقًّا مشروعًا في الدفاع عن الأرض، رغم اختلاف الآراء حول الأسلوب.
أما مليشيات الخراب التي أعنيها، فهي الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدول المستقرة، وتمثل تهديدًا كبيرًا لاستقرار المجتمعات وأمنها، فيمكن أن تؤدي هذه المجموعات إلى آثار سلبية تتعلق بالأمن الوطني، والاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، وتمزق النسيج الاجتماعي، حيث يمكن أن تتحدى هذه الميليشيات سلطة الحكومة وتؤدي إلى تصاعد النزاعات المسلحة أو الحروب الأهلية، مثل ما يحدث في كل من العراق واليمن وليبيا والسودان، لأنها تتصرف بمعزل عن النظام القضائي وتفرض قوانينها الخاصة، مما يُضعف هيبة الدولة، ويجعل المواطنين أقل احترامًا للقوانين الرسمية، وتشيع ثقافة قانون القوة.
كما أن وجود ميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة يؤدي إلى تهريب السلاح، والمخدرات، والبضائع، مما يُلحق ضررًا مباشرًا بالاقتصاد المحلي ويؤدي إلى فقدان الثقة في الاستثمار، ويزيد من تكلفة الحياة بسبب انعدام الأمان. وعندما تعجز الحكومة عن السيطرة على الميليشيات المسلحة، ينشأ شعور بعدم الثقة لدى المواطنين تجاه قدرتها على حماية الدولة وحفظ الأمن، مما يفتح المجال لتنامي نفوذ هذه الميليشيات وجذب تأييد مجتمعي في بعض الأحيان. وغالبًا ما تستغل هذه الميليشيات الانقسامات الدينية أو الطائفية أو العِرقية، مما يعزز الانقسامات داخل المجتمع ويؤدي إلى صراعات بين المجموعات المختلفة، كما قد تؤدي إلى تهجير السكان وانتهاكات لحقوق الإنسان. وغالبًا ما تحاول الميليشيات التأثير على القرارات السياسية والانتخابات من خلال التهديد والترهيب، مما يعطل أي عملية ديمقراطية، ويُفقد المواطنين حقَّهم في المشاركة الإيجابية في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية، أو حتى انتخابات الوحدات المحلية.
وعلى سبيل المثال، فقد عانتِ الحكومة العراقية منذ عام 2003 من تزايد نفوذ الميليشيات الطائفية التي يتم تمويلها ودعمها من دول خارجية. وكذلك اليمن التي شهدت صعود ميليشيا الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد، ما أدى إلى نزاع مدمر. وحزب الله اللبناني هو مثال آخر على ميليشيا مسلحة خارج إطار الدولة، حيث يمثل لاعبًا عسكريًّا وسياسيًّا مستقلاًّ بشكل كبير عن الحكومة اللبنانية.
من هذا المنطلق نستطيع أن نؤكد أن وجود ميليشيات مسلحة منفصلة عن الدولة يعقِّد المشهد الأمني والسياسي، ويجعل أيَّ جهود لإرساء السلام أو تحقيق النمو الاقتصادي مستحيلةً دون معالجات جذرية لهذا الوضع.