ثورة العلم: نانو جزيئات ذكية تدمّر جنود السرطان وتوقف انتشاره!

دور جهاز المناعة في مواجهة الأورام

يقوم جهاز المناعة بمهاجمة الخلايا السرطانية كما يفعل مع الفيروسات أو البكتيريا، إلا أن الخلايا السرطانية تستخدم بروتينات معينة لتخفي نفسها عن هذا الجهاز. هذه الخلايا تتجنب الهجوم من قبل دفاعات الجسم، مما يعزز من بقائها. بالإضافة إلى ذلك، توجد خلايا غير سرطانية، مثل المكرُوفاجات، التي يمكن أن تحول من مسار الورم، إما من خلال تثبيط تقدمه أو دعم انتشاره.

تطوير تكنولوجيا نانو جديدة

قام فريق علمي من جامعة بوليتكنيك في مدريد ومستشفى الأطفال الجامعي “نينو خيسوس” بتطوير جزيئات نانوية ذكية ومتعددة الوظائف قادرة على القضاء بشكل انتقائي على المكرُوفاجات التي تعزز نمو الورم وتساعده على غزو الأنسجة السليمة. هذه التقنية الجديدة تفتح آفاقاً جديدة لتطوير أدوية نانوية مخصصة لمختلف أنواع الأورام.

التعقيد الهيكلي للأورام الصلبة

الأورام الصلبة ليست مجرد تجمعات من الخلايا السرطانية؛ بل هي أنسجة معقدة تشهد تفاعلات بين أنواع مختلفة من الخلايا التي تلعب دوراً مهماً في تقدم الورم. أثناء تطور الورم، تتمكن الخلايا السرطانية من “احتجاز” خلايا المناعة وجعلها تعمل لمصلحتها. يتم ذلك، على سبيل المثال، من خلال إفراز عوامل تنشيط النمو، أو عن طريق تحفيز تكوين أوعية دموية جديدة لتغذية الخلايا السرطانية.

تأثير المكرُوفاجات في بيئة الورم

من بين خلايا المناعة المحتجَزة، تعتبر المكرُوفاجات الأكثر بروزًا، حيث تقوم هذه الخلايا بدوريات في الجسم بحثاً عن مُمْرِضات مثل البكتيريا والفيروسات لتقوم بابتلاعها وتدميرها. ولكن عندما تتأثر هذه الخلايا بالخلايا السرطانية، تبدأ بتصرف كأنها تستجيب لجروح، مما يؤدي إلى إفراز عوامل النمو وتعزيز إمداد الورم بالدم.

تأثير نقص الأكسجين في الورم

مع زيادة حجم الورم، تقل كمية الأكسجين التي تصل إليه، لأن تشكيل الأوعية الدموية لا يواكب سرعة نمو الكتلة السرطانية. هذه الحالة من نقص الأكسجين تجعل المكرُوفاجات المرتبطة بالورم تعمل بجد أكبر لتعزيز التغذية الدموية للخلايا السرطانية، مما يؤدي إلى جذب المزيد من المكرُوفاجات إلى تلك المنطقة. تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من 50% من الكتلة السرطانية المستأصلة خلال الجراحة في بعض حالات الأورام الصلبة تتكون من مكرُوفاجات.

الآثار السلبية للمكرُوفاجات

تتسبب المكرُوفاجات في إعاقة عمل أنواع أخرى من خلايا المناعة، مثل الخلايا التائية وخلايا القاتل الطبيعي، التي تمتلك القدرة على تدمير الخلايا السرطانية إذا لم تكن هناك مكرُوفاجات في المنطقة. على الرغم من وجود أدوية قادرة على تدمير المكرُوفاجات، إلا أنها غالبًا ما تكون سامة وتسبب آثارًا جانبية خطيرة، حيث يجب استهداف المكرُوفاجات المرتبطة بالورم فقط، دون التأثير على المكرُوفاجات الأخرى المهمة للجهاز المناعي.

جزيئات نانوية مخصصة لعلاج الأورام

في مشروع بحثي مدعوم من وزارة العلوم والابتكار، تم تطوير جزيئات نانوية ذكية قادرة على القضاء بشكل انتقائي على المكرُوفاجات المرتبطة بالورم. تسمى هذه النانو جزيئات البروتوسل، وهي مصممة بحجم مشابه للفيروسات (حوالي 100 نانومتر)، وتتكون من نواة من السيليكا تحتوي على آلاف المسام الصغيرة التي يمكن أن تحتوي على تركيبات من الأدوية السامة للمكرُوفاجات.

كيفية عمل البروتوسل في الجسم

تم تغليف الأنزيمات المولدة للأكسجين بطبقة بوليمرية تساعد على حمايتها من الظروف الداخلية للجسم. كما تم تزيين سطح البروتوسلات بجزيئات من سكر صناعي يسمى المانوز، الذي يرتبط بشكل انتقائي مع مستقبلات على سطح المكرُوفاجات المرتبطة بالورم. عند ملامستها، يتم ابتلاع البروتوسلات بسرعة، مما يطلق الأدوية داخل المكرُوفاجات ويؤدي إلى تدميرها بشكل آمن.

التجارب الحالية والآفاق المستقبلية

تجري الأبحاث على هذه النانوجزيئات في نماذج خلوية تحاكي ظروف الأورام الصلبة، وقد أظهرت النتائج قدرة البروتوسلات على تدمير المكرُوفاجات بشكل انتقائي باستخدام جرعات منخفضة للغاية، مما يعزز فعاليتها كعلاج مضاد للأورام. يخطط الباحثون، بدءًا من عام 2024، لإجراء دراسات على نماذج حيوانية لأورام النيوروبلاستوم، وهو نوع من الأورام العدوانية في مرحلة الطفولة، لتقييم الأمان والخصوصية لهذا العلاج الجديد.

تعاون بحثي متواصل

تجسد الشراكة بين فرق البحث بيدرو باييز ومانويل راميريز في مستشفى الأطفال الجامعي “نينو خيسوس” مجهوداً جماعياً أُسس منذ عدة سنوات، حيث تسهم تعاونيات العلماء في توسيع الآفاق للعلاجات المستقبلية المحتملة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى