اليازجي يخط دستور سوريا الجديدة – علاء مخول


في سياق متغيرات تاريخية ومصيرية تسير عليها منطقتنا ، و في خضم الضجيج الاعلامي المواكب لهذه المتغيرات، و في ظل سباق محقون و محفوف نحو الثأر و تثبيت انتصارات لا زالت معالمها غير واضحة و لا يقين بها حتى اللحظة ، و مع غياب اي من الاصوات التي تدعوا الى النهضة و البناء من جديد على اسس وطنية واضحة، خرج صوت اللّاذقي المستقيم ، بروح فصحية تجسد العبور ، و بحروف عابقة بالرجاء و الإيمان ، ليكتب اولى كلمات دستور المرحلة الجديدة.

خرج يوحنا العاشر ، بطريرك انطاكية و سائر المشرق للروم الارثوذكس، بجرأة الدمشقي العتيق، الأمين على ما في بيزنطية و أدراج بني أمية ، مماثلا" المعلم البار في الكنيسة الارثوذكسية القديس يوحنا الدمشقي ، العربي ابن العربي ، و المدعو في الاساس منصور بن سرجون ، سليل عائلة رفيعة المقام و المنصب في البلاد الدمشقية فترة حكم الامويين.

عبرت كلمات اليازجي من المريمية و كنيسة الصليب و باب توما، لتعانق قناطر الجامع الأموي، و تنبعث من دمشق بطريق مستقيمة و باستقامة رسولية الى النواحي الانطاكية و المشرقية كافة ، مكلِّلة جبال لبنان و ارزه ، شاهدة للحق بلسان حال كل مسيحيّ مشرقي، بمناعة و ايمان ، بجرأة و رجولة لتقول للعالم بأسره ، بان المسيحيين هم بناة هذا الشرق و عواميده ، هم تراب اجداده و صخوره الثابتة منذ الازل ، هم من عتاقة نسيجه ، هم ليسوا بضيوف بل هم ملح هذا الشرق و خميره النافع.

بكثير من الوعي و الحرص و الايمان، الايمان بالرجاء، كما الايمان بمنطق الدولة و القانون، كنقطتي ارتكاز لاي رحلة عبور نحو بر الخلاص في بلادنا المشرقية، رسمت كلماته رؤية مستقبلية لأبناء الوطن الواحد ، ليسطّر بذلك نهج مؤمنين سرجوا العقل من اجل الشهادة والخدمة.

ان ما عبّر عنه اليازجي، هو ما نحتاج اليه لبناء مستقبل الابناء و الآباء ، وهو الرؤية الانطاكية المشرقية المسيحية ، الملتزمة للانسان ودولة المواطنة و المؤسسات و المساواة في الخدمة العامة و حقوق الشعب . و ما هو ، الّا رسالة الى كل الاطراف التي تشكل معا" نسيج هذا الشرق ، أنّ دولة المواطنة و القانون و الديمقراطية ، و يعني بها الدولة المدنية ، هي الخلاص لكل هذا النسيج الوطني الغني بتاريخه و قيمه و عتاقته ، على قاعدة المساواة و العدالة بين جميع الفئات المجتمعية ، بعيدا عن منطق الاقليات و الاكثريات ، متخطين اياه الى منطق الدور و الرسالة ، و هذا ما عبّر عنه البابا يوحنا بولس الثاني يوما"، مجموعين على الكرامة الانسانية.

و هنا يستحضرنا ما عبّر عنه المثلث الرحمات البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم في السابق في اطار منطق تمسك الاقليات بوطنها و شعبها و تراثها ، أن هؤلاء كانوا من البديهي في مقدمة النهضة اللغوية و الحضارية و الروحية في هذه البلاد ، و كانت في الصف الاول الذي يدعوا الى الاستقلال السياسي و الاستقلال الفكري الذي يحد من آفاق انساننا العربي ، مشددا" على فشل الاجنبي في زرع الفرقة و الضغينة بين المسلمين و المسيحيين المجموعون على الكرامة و الشرف و الاستقلال ، و متساوون في تطلعاتهم و لو دفعوا لذلك ثمنا" على اعواد المشانق.

ان خارطة الطريق التي رسمها اليازجي بكلمات معطرة بياسمين الشام و ارز لبنان ، تصلح كمنهج و دستور يعمل عليه كافة الافرقاء في سوريا و لبنان و سائر البلاد المشرقية ، للنهوض بأبناء هذه البلاد نحو النهضة و الاستقرار و السلام و الامان من جديد ، بمبادئ ايمانية بعيدة عن عقلية الفاتحين و بالوقت نفسه بعيدا عن منطق الملحقين بامبراطوريات كانت هنا يوما"، فنحن كلنا اصحاب البيت ، و تاريخ هذه البلاد هو تاريخنا و هو تاريخ مشترك ، و همّنا ان يزيل اولادنا كل كابوس خارجي ، و ان ينعموا بكل ما هو افضل ....

نعم، حبر اليازجي كان اول الدستور ... لا بل كل الدستور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى