انسحاب كردي من ريف حلب الشمالي: تركيا تصفّي حساباتها مع «قسد»

+
–
الأخبار: أيهم مرعي-
الحسكة | انسحب عناصر الوحدات الكردية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) من مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي، وتحديداً من تل رفعت وقرى «سد الشهباء» المحاذية لمدينتي نبل والزهراء، نزولاً عند الاتفاق الذي يقضي بانسحابها من المناطق المشار إليها، وتسليمها للفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، في إطار ما يُسمّى «غرفة عمليات معركة فجر الحرية».
وبعد إتمام العملية، اقتصر وجود تلك الوحدات، في مدينة حلب وريفها الشمالي، على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، حيثُ قررت الاحتفاظ بمواقعها، فيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قد اتخذت القرار بالاتفاق مع «هيئة تحرير الشام»، أم أنّه كان بمثابة تحدّ للأخيرة.
وبعدما نفت قيادة «قسد» وجود أي اتفاق للانسحاب من تل رفعت أمس، رغم سيطرة الفصائل المسلحة عليها، وتوجّهها إلى قرية أحرص، أعلن «مجلس شعب عفرين والشهباء» التابع لـ«الإدارة الذاتية»، في بيان رسمي، قرار الانسحاب، والشروع في تطبيقه ابتداءً من ظهر الإثنين.
وممّا ورد في البيان الصادر عن «المجلس»: «من أجل سلامة الجميع، ولكي لا يتعرض شعبنا للمجازر، ولا يُقتل الأبرياء، قرّرنا بمحض إرادتنا الخروج من المنطقة التي كانت مطوّقة من قبل مرتزقة الدولة التركية».
واستدرك بأنّ «الخروج من منطقة الشهباء لا يعني أننا استغنينا عن نضالنا في سبيل تحرير عفرين»، بل من «الآن فصاعداً، سنصعّد نضالنا بشكل أقوى».
وطبقاً لمقاطع مصوّرة نشرتها الصفحات الخاصة بـ«معركة فجر الحرية»، تظهر عشرات الآليات العسكرية والمدنية وهي تغادر تل رفعت في اتجاه مدينة الطبقة، بعد الاتفاق على خروج الوحدات الكردية بأسلحتها، من دون أيّ اعتراض من قبل المجموعات المسلحة.
وفي حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، طالبت تلك الوحدات، عبر مكبّرات الصوت، الأهالي بـ«الصمود في منازلهم وعدم مغادرتها»، مع التأكيد على «اتخاذ الاحتياطات العسكرية اللازمة لحماية الأحياء من أي هجمات محتملة عليها».
ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه تركيا حصر التطورات العسكرية في الشمال السوري في «اتجاهين»: الأول تقوده «هيئة تحرير الشام» والفصائل المتحالفة معها في إطار «غرفة ردّ العدوان»، وتنفي أنقرة أن يكون لها أي صلة به، ولا سيما أنّ «الهيئة» مصنّفة على لائحة الإرهاب؛ والثاني، تديره فصائل «غصن الزيتون»، بإشراف من تركيا، عبر ما يُعرف حالياً بغرفة عمليات «فجر الحرية».
تحاول أنقرة استكمال مخطط الحزام الأمني والسيطرة، تدريجياً، على مدن الشريط الحدودي
من جهتها، تؤكد مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أنّ «هيئة تحرير الشام» قدّمت ضمانات للأكراد بعدم الاقتراب منهم، وعدم شن أيّ هجمات على الوحدات الكردية في حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية، مؤكدةً أنّ عملياتها «تستهدف الجيش السوري والإيرانيين فقط».
وطبقاً للمصادر نفسها، فإنّ الجماعة المسلحة «تسعى لإثبات أن (جلدها تغيّر)، ولم تعد تنظر إلى الكرد كأعداء». ويندرج هذا المخطط في إطار المساعي التي تبذلها أنقرة لإعطاء صورة مختلفة عن «الهيئة»، وهو ما يدل عليه الإحجام عن «التعامل بعنف مع الأقليات الكردية والمسيحية في حلب».
وتستدرك المصادر بأنّ «المواجهة بين الهيئة والوحدات الكردية هي شبه حتمية، على خلفية الاختلاف الأيديولجي بينهما، إلا إذا كان هناك اتفاق تركي - أميركي على منع التصادم بين الطرفين في المرحلة الحالية على الأقل».
وتضيف أنّ «تركيا قد تعمد إلى قتال (قسد) في منبج والطبقة وإخراجها في اتجاه غرب الفرات، عبر قوات (فجر الحرية)»، علماً أنّ مسلحي الأخيرة لا تقودهم «هيئة تحرير الشام»، على الأقل في العلن والإعلام، وأنّ الجماعة تشكّلت، بشكل خاص، لمحاربة «قسد».
وفي محاولة لتوجيه رسالة إلى أهالي مناطق سيطرة «قسد»، بأنّ الهجوم الأخير «لا يهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي»، على غرار ذلك الذي حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض، فقد سمح المسلحون للعشرات من مهجّري عفرين من الأكراد بالعودة إلى المدينة، «بعد ضمانات بعدم التعرّض لهم»، بحسب المصادر، التي تستدرك بأنّ «مقاطع مصوّرة كثيرة أظهرت عشرات الانتهاكات بحق الأكراد في حلب وريفها خلال المعارك الدائرة في المنطقة، ما يكذب ادعاءات المسلحين».
ومساء أمس، بدأت المخططات التركية بالتكشف بشكل أوضح، من خلال إصدار فصائل «فجر الحرية» بياناً مصوّراً، أكّدت فيه أن «غرفة عمليات فجر الحرية» و«سرايا أحرار الشام»، بدأت التحضير لإطلاق عملية عسكرية لـ«تحرير» مدينة منبج، في ريف حلب الشمالي الشرقي، من «قسد».
وعليه، أصبح شبه واضح أنّ أنقرة والجماعات المسلحة المدعومة منها تحاولان استغلال انسحاب الجيش السوري والقوات الروسية، وعدم وجود أي قواعد أميركية في منبج وعين العرب والرقة والطبقة، لشنّ هجوم على تلك المناطق، واستكمال مخطط الحزام الأمني الهادف إلى السيطرة، تدريجياً، على مدن وبلدات الشريط الحدودي الشمالي لسوريا، بعمق 30 كم.
وعلى الضفة المقابلة، تعمل روسيا، بوضوح، على تعطيل المخطط التركي، وهو ما انعكس بإرسال موسكو تعزيزات عسكرية مكوّنة من نحو 40 آلية، لنشرها في كل من مطار صرين في ريف عين العرب، وفي مدينة منبج، في رسالة رفض واضحة للتحركات التركية الأخيرة، ولا سيما أنّ هذه التحركات تحصل في مناطق متّفق على شكل إدارتها، ضمن ما يُعرف بـ«اتفاق سوتشي» الموقّع عام 2019، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان.